الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الاجهاض يؤرّق النساء والسرطان يحصد الارواح، التلوّث المنجمي يتهدّد أهالي ام العرايس

نشر في  10 سبتمبر 2014  (10:50)

 كئيبة وموحشة وجدباء، أم العرايس.. معتمدية العيون المنسابة صارت منبعا للاجهاض والسرطان والعقم ونفوق الماشية وتلوّث المياه والتربة والهواء والهجرة القصرية.. التقوا كلهم بقراها المنجمية.. على مدى يومين كاملين، لم أَلْحَظْ او استمع لصراخ اي رضيع.. ريف البِرْكَة المتكئ على جبال الفسفاط المترامية هجرته ابتسامة الاطفال.. اقترن اسم ام العرايس بسبع عرائس قصد موكبهن احدى برك الماء المنساب من عيونها فغرقن، هكذا تقول الاسطورة.

كلون الفوسفاط .. كالرماد.. كالغبار المتناثر حين ينفجر الديناميت في قلب الجبال، تغرق ام العرايس في هموم المنجم. «يلعن بو الفسفاط» كما ثرثرت عدسة المخرج السينمائي سامي التليلي..


مدارس بلا تلاميذ؟!

تستعد مدرسة البِرْكَة من معتمدية ام العرايس لاستقبال تلاميذها. العودة المدرسية على الابواب فلتكن تحضيرات المدرسة في مستوى آمال و تطلعات قاصديها من تلاميذ قرية البركة. ولكن عن اي تلاميذ نتحدث؟ هل بقي في القرية المطلة على جبال الفسفاط تلاميذ؟ في السنة الفارطة كان عدد طلاب العلم بكل اقسام المدرسة يعادل تقريبا عدد الاطار التربوي. 9 تلاميذ مقابل خمسة مدرسين ومدير وحارس. مدرسة الحشّانة اغلقت ابوابها طيلة السنة الماضية. لم يدق ابوابها، لم يمرح داخل ساحتها، لم يلتحق بها اي تلميذ. ومدرسة الشنوفية 1 اقتصر عدد تلاميذها على ثلاثة فقط.. بين العُقْم والإجهاض يفسر الاهالي هذا النقص الفادح في التلاميذ بارتفاع منسوب الاجهاض لدى النساء. بعد سنوات من الزواج، لا تزال زينة بن احمد تنتظر اطلالة وليدها الاول. حمل اول فثاني فثالث في 2013، و الاجهاض يلازم عملية الحمل. بيّة سالم فقدت ثلاثة توائم في 2012 و نجاح اجبرها التشوه الخلقي لجنينها على التخلص منه في شهره الخامس. الحالات كثيرة والاسماء معروفة لدى الاهالي. ما لا يقل عن 8 حالات اجهاض في صفوف نساء البِرْكَة في حوالي 5 سنوات. بينما يتحدث آخرون عن تفشي ظاهرة العقم لدى السكان. فجل المتزوجين الجدد في السنتين الاخيرتين لم يكتب لهم الانجاب. لا يزال الانتظار يلف الجميع.

انتبه، تفجيرات

بعيدا عن الكشوفات الدورية لدى الاطباء و التحاليل المتكررة بالمخابر الصحية، يعلم الاهالي موطن الداء و سبب البلاء. «الكبانية» بغبارها الكيمياوي المسموم و تفجيراتها اليومية الموقظة للمضاجع هي المتهم الرئيس. يقول بدر الدين سعيدي : «كيف لنا أن نفرح بقدوم مواليد جدد واصوات التفجيرات لا تنقطع عنا؟ يكفي ان يتم تفجير المناجم المحيطة بنا بمادة الديناميت حتى تهتزّ الارض من حولنا، و يصمّ صوتها ذاننا. حتى جدران بيوتنا تصدعت، والابواب والنوافذ انكسرت. بل لم نعد نستعن بزجاج الشبابيك في استعمالاتنا اليومية حتى لا تهشمها الانفجارات المتكررة يوميا. ثم تكتفي شركة الفوسفاط بوضع علامة مرورية كتبت عليها عبارة «انتبه، تفجيرات !» مئات المنازل المشيدة على سفوح تلال البركة، متشابهة ومستنسخة. معمار قديم وغير مكتمل. ابوابه مشققة وجدرانه متداعية. لا يزال لون الآجر الأحمر و الحجر الأصفر بارزا. ما الفائدة من تشييد و تزويق و اتقان بيوتنا اذا كان مآلها التصدع بسبب دوي التفجيرات؟ يشتكي الاهالي.

امراض سرطانية على الابواب

 لا تزال قصة عم بشير بن احمد بن الاسود ببال جيرانه واقاربه. كان الرجل من اثرى سكان البِرْكَة. فلاح ومربي لما يزيد عن 100 شاة وله قطيع من الابل. رفض تسقيف بيته بالاسمنت و الحديد خوفا من سقوط السقف عليه بسبب التفجيرات. اغصان النخيل لا تزال تعمر سقف بيته. تفادى الموت تحت انقاض الاسمنت والحديد فدهم عليه مرض السرطان في 2012 و قبله توفيت ابنته زينب بنفس المرض العضال في 2008. حتى قطعان النعاج والابل قد نفقت جراء الاعشاب المسمومة في الوهاد المحيطة «بالكبانية». يقول النقابي عدنان الحاجي : «اغلب وفيات الحوض المنجمي ناجمة عن الامراض السرطانية المتفشية في الجهة.» بلغ عدد ضحايا مرض السرطان ما لا يقل عن 13 شخصا في قرية البِرْكَة، بينما يصارع اخرون ذات المرض. الكهل علي وناس يرقد الان في مستشفى بسوسة بعد خصوعه لعملية جراحية لاستئصال الورم الخبيث الذي يلقي بظلاله على القرية. والملاحظ ان عائلات برمتها قد نال منها هذ المرض. الشاب محمد بالناصر يتحدث عن وفاة اثنان من اعمامه وجدّته وابنة عمه بسبب السرطان. هذا الورم فتك باربعة افراد من عائلة واحدة. كما لم تسلم منه طفلة لم تتجاوز عامها الثاني. ولئن كان تفشي هذا الورم من المواضيع المسكوت عنها قبل الثورة، فقد حث بعض الباحثين منذ سنوات على دراسة هذه الظاهرة ومدى ارتباطها بالتلوث البيئي الذي تسببه صناعة الفسفاط بالجهة. بينما بلغت الانعكسات السلبية لحقول الفسفاط المحاصرة لقرية البِرْكَة حد ترحيل مالا يقل عن 100 عائلة و جفاف العشرات من العيون المستغلة فلاحيا و تفشي الامراض، وانتشار حالات الاجهاض و العقم والامراض التنفسية. ورغم ذلك لا يزال بعض السكان متمسكون بالبقاء في اراضيهم التي انتزعت اغلبها شركة فسفاط قفصة لحفر الابار او لاستغلال الثروات المنجمية. فيما يواجه اخرون السجون بسبب احتجاجهم على التعويضات البخسة التي اقرتها لهم المحاكم عن الاضرار التي لحقت اراضيهم الفلاحية جراء الانشطة المنجمية المحاذية لهم.

ضحايا مرض السرطان

• زبيدة بنت بشير بن احمد سنة 2008
• بشير بن احمد بن لسود سنة 2012
• سالم بن محمد بن سالم سنة 2013
• محمد بن محمد بن سالم سنة 98

* عبد الحميد وناس سنة 2012
• علي وناس يرقد الان في سوسة بسبب السرطان

* احمد بن جاب الله سنة 2012
• زعرة بنت محمد سنة 2010
• علي بن مسعود سنة 2003
• محمد بن عمر بن سالم سنة2012

* محمد بن علي الشتيلي سنة 2007 

• علي بن عبد الله يعالج من المرض

* خيرة بنت احمد السويد سنة 2011 وزوجها 2008

 ضحايا الاجهاض


• زينة سولمي في 2007
• زينة بن احمد في 2013
• عانس سعيدي في 2001
• بية سالم في 2012
• مروى بن عيد الله في 2012
• امال بن احمد في 2012
• صابرين سعيدي في 2013
• ملاك وصيفي في 2011

 ريبورتاج: محمّد الجلّالي